المرآة السوداء

 


المرآة السوداء
 
  مرآةٌ جار عليها الزَّمنُ، شفَافيتها انقشعت، احتشت بِالسَّوادِ، تقف بِموَاجهتها ناصعًا البياضِ؛ فلا ترى انعكاسًا، حالكةٌ، نَافست الليلَ في ظلامه الدَّامس، لا تعرف هل ذاك غُبار الأيامِ، أم أنَّها تجرعت مِن كأسها ما لم يتجرعه إنسانَ، نعم، يبدو أنَّها تذوقت عذابَ وآلامَ، وما ذاك السَّواد إلَّا انعكاسًا عمَّا تلقته من جلداتٍ، صامتةٌ، تولي ظهرها، لا تريد الإطلاعَ على أحدٍ بعدما كانت مولعةً بِالنَّظرِ لِهذا وذاك، لا تنظر حتَّى خلسةً مثلما كانت تفعل في قديم الزَّمانِ، ترتدُّ مَنْ يقف أمامها، ويزدادُ ظلامها ظلامًا، كأنَّها تودُّ الصِّرَاخَ بِهل جئتم الآن لِتروا جمالكم، وتثنوا على وجوهكم الحسناءِ، لكنَّكم قُبحَ القلوبِ، عندما صرختُ طالبةً النَّجاةِ لم أرَ أحدٌ منكم، كأنَّ آذانكم صُمَّت عن سماعي، بُحَّ صوتي ولم أجد منكم مُلبِّيًا ندائي، تألمتُ وعانيتُ مرار الأيامِ، سوطها هبط عليَّ بِقوةٍ تاركًا أعسانه، تحجرت الدموعُ بِعيناي، وعلامَ تُذرف وأملها في النَّجاةِ تلاشى، اعتادت، واعتدتُ أنا على العتمةِ والأنينِ بِصوتٍ لا يسمعه سواي، والآن أبغض رؤياكم، لن أعطيكم انعكاسًا سوى لِقلوبكم المُتحجرة كالأيام.
 
 
  -حبيبة البسيوني.

إرسال تعليق

أفرحنا بتعليقك هنا

أحدث أقدم