حين رأيتك... مات كل شيء
كنتُ أظن أنني هربت منك، أنني دفنتك في أعماق النسيان، أن ذكراك تلاشت كدخانٍ تبدّده الرياح. كنتُ أؤمن أنني عبرتُ جسر الحنين دون أن أنظر خلفي، أنني لم أعد أشتاق، لم أعد أضعف، لم أعد أبالي.
لكنني كنتُ مخطئة...
لم أكن أختبر النسيان حقًا، لأنك لم تكن أمامي.
واليوم، حدث ما لم أتوقعه... التقيتك.
في لحظة، تبددت كل الادعاءات، تساقطت أقنعة القوة، وتعرّت الحقيقة أمامي كجرحٍ قديم يُعاود النزيف. شعرتُ برعشةٍ تسري في أوصالي، بقلبي الذي أقسمتُ أنه مات، ينبض كالمجنون. عيناي خانتاني ببريقٍ لم أستطع إخماده، وملامحي تآمرت ضدي فارتسمت على شفتيّ ابتسامة لم أسمح لها بالخروج.
للحظة، خُيّل إلي أن شيئًا لم يتغير، أن الزمن لم يسرق مني أكثر مما ظننت، أنني ما زلتُ تلك التي كانت تنبض لك وحدك.
لكن ثمّة صوتٌ آخر، صوتٌ لم يكن يومًا أوضح من الآن...
صفعةُ الواقع أيقظتني، همست في أذني بمرارة: "كيف تفرحين برؤية من كسر قلبك؟"
كأن ضوءًا خافتًا انطفأ داخلي، كأن قلبي الذي انتفض لحضورك، تذكّر في اللحظة ذاتها كيف كنتَ سبب ألمه. عاد كل شيء في لحظة... الليالي الباردة، الكلمات القاسية، الوحدة التي أحرقتني بعدك، محاولاتي العبثية لترميم ذاتي المكسورة.
فجأة، لم يعد هناك دفء... لم يعد هناك خفقان... لم يعد هناك شيء.
رفعتُ عيني إليك... نظرةً أخيرة، لكنها لم تحمل شيئًا مما كانت تحمله يومًا. لا حنين، لا لوعة، لا حتى كراهية. فقط... خواءٌ تام.
حينها، أدركتُ الحقيقة العميقة التي لم أكن أعرفها من قبل: النسيان ليس أن تمحو أحدًا من ذاكرتك، بل أن تراه، فلا يعود يُحرك فيك شيئًا.
استدرتُ، ومضيتُ دون أن ألتفت... فاليوم، حين رأيتك، لم أشعر بأن شيئًا عاد... بل شعرتُ أن كل شيء مات.
ك/ مريم سعيد "حبيسة الماضي"