الحديقةِ
في الحديقةِ يسير النَّاسُ مثنى، حبيبان متشابكان الأيدي، يتطلع الفتى إلى فتاته بِعينينِ يشعُّ منهما حبًّا فياضًا، ابتسامة تُزيِّن ثغر الفتاةِ، تضغط على كفَّيه بين الحينِ والآخر كأنها تبعث إليه بِإشاراتٍ أنَّه حبيب الفؤادِ؛ فلا يفلت يديها يومًا، في ركنٍ آخر رفيقان يتحدثان، أحدهما يبدو حزينًا، والآخر يربت على كتفيه مخففًا عنه ما يُثقل قلبه، تارة يلقي عليه عبارات تجعله يضحك بِصوتٍ عالٍ متناسيًا ما يؤلمه، وتارة يهدأ صوته وإذا بِصديقه يضمَّه، طفلان يلهوان ويقفزان من هنا لِهناك، أصواتهما تملأ الأرجاء، أحدهما يصرخ على الآخرِ بِلن تستطيع اللحاق بي، والآخر يصرخ بِأكاد الإمساك بك، زوجان مرَّ الزمانُ بِهما لِتتجعد ملامحهما، لكن لم يُقلل ذلك من عشقهما، إنَّه راكع على ركبته مقدمًا إليها زهرة حمراء، وهي واضعة يدها على فاهها والصدمة تعلو وجهها، صدقًا إن الحبَّ لا يعرف عمرًا، وبين كل تلك المشاهد أجلس على المقعدِ بِمفردي، أتساءل: لماذا ليس لديَّ حبيبة كذاك الفتى، أو صديق يزيل عني ما يثقلني كذاك الرفيق؟ لماذا لا يعود بي الزمان لأكن كهذين الولدين أجري وألهو وليس بِقلبي أي كمدٍ يمزق نياطي، أو كذاك العجوز لديَّ زوجةٍ تكون معشوقتي ومعواني في تلك الحياة القاسية؟ رغم الخريف وبرودة الهواء إلَّا أنهم يشعرون بِدفءٍ يخلخل ثناياهم ويصل لِلأعماقِ، أمَّ أنا أشعر بِبردٍ قارصٍ تعدى برد الشتاءِ.
-حبيبة البسيوني.