*بين البراءة و الخديعة*
يرتوي الفؤاد بنبضة عاشقه تغمر حناياه، ويتذمر غاضباً ضجراً إذا غاب من عشقه، ولكن لا تعلم له حال؛ فكما يرتوي عشقاً، يتلوع اشتياقاً، ويزداد تعلقاً مع شدة لوعته بذاك الاشتياق الحارق؛ فكيف لقلب طفلة هش أن يحمل بداخله تلك المعاني التي تعدّ تيجان الحب؟ هل يا ترى قد دفع الحب باب قلبها، أم أنه شعور من احتياجات الذات؟ فتلك الفتاة ذات العينين البنيتين التي يملأهما براءة الأطفال، حقاً تخوض أول خطوات الحب، أم أنه نوع من الهيام الكاذب في تلك المرحلة العمرية؟ أظن أنه هيام كاذب؛ فكيف لكل تلك البراءة أن تخوض تلك المعركة المنهكة في ذلك الوقت؟ حتماً ستقع جثية؛ فهذا عالم يملؤه الغموض والخداع، ضاع بين ثناياه الكثير من الصادقين واليافعين. فليس لها قوة على مجابهته ولا الصمود به. فلا زالت ترى الدنيا بذلك النور الساطع المبهج، وتلك البساتين الساحرة.
ليس لها إدراك عما أصبح يملأ النفوس البشرية من بغض وغدر؛ لكنها لم تنصت لأحد، وحزمت أوراقها وغادرت بيتها بدجر شديد بعد حديث طويل مع أمها. ولكن هذه عادة الجميع في تلك الآونة؛ فقد فرت مسرعة للمكان التي تثق أنها ستحتضن عينيه بعينيها لتشعر بالسكينة في نفسها الدجرة. وجلست تنظر بعين يملؤها الحب واللهفة، تراقب من أصبح القلب يتلعثم في نبضه عندما تهب رياحه بقربه. وقد بدي عليها معاني حبها حينما اقترب ليصطحبها معه في رحلة سير، وتبادل الكلمات. فظل يتحدثان ويبتسمان، ويزداد تعلقها وتمسكها بالخوض والبقاء؛ فقد منعتها براءتها من رؤية تلك الأكاذيب التي تملأ عينيه، ولكن سرعان ما هم الزمان بفعلته المعتادة في إعطاء دروس القسوة. فقد مرت الأيام وهي تزداد تعلقاً، وهو يكثر من الخداع والكذب. فقد سلب قلبها دون عناء منه، وأرادت أن تراقب صدقه وقلبها مملوء بالثقة بذلك، وجلست تنظر إليه كعادتها بحب، ولكن باختلاف قليل في تلك المرة؛ فلم تكن على مرأى من عينيه، وكان ما رأته صاعقة من الألم الذي هدم كل تلك البراءة، وجعلها تعرف معنى الغدر والخذلان عندما رأت إحداهن ملقاة بقوة شوق بين ذراعيه أدركت حينها أن الزمان لم يكن منصفاً لبراءتها التي باتت نادرة في عالم البشر.
وهكذا وضعت أول ندبة في قلب طفلة هش، وأصبحت على يقين بأن ليس كل ما يقودنا إليه القلب صحيح.
گ/الشيماء إبراهيم مصطفي