وحدة وسط عالم مخادع

وحدة وسط عالم مخادع




مأساة فتاة تعاني في هذه الحياة المليئة بالخداع، كانت هناك عائلة صغيرة مكونة من رجل عجوز وامرأة عجوز، زوجان يعيشان بهدوء وسط ظروف الحياة الصعبة، أنجبا شابًا يُدعى عبدالله وفتاة تُدعى رقية، فكانت رقية تصغر عبدالله بسنة واحدة فقط، وكانا شديدي القرب من بعضهما، تجمعهما علاقة أخوية استثنائية مليئة بالحب والدفء، وكأنهما روحان في جسد واحد.

لكن الحياة لم تُبقِ على تلك الصورة المثالية، إذ قررت أن تفرق بينهما، فمات عبدالله فجأة، تاركًا رقية وحيدة تواجه ألم الفقد، حزنت العائلة حزنًا شديدًا، لم تتحمله قلوب الوالدين العجوزين، فتوفي الأب أولًا ثم لحقت به الأم بعد فترة قصيرة، وكأن الموت ألقى بثقله على تلك الأسرة ليأخذ الجميع ويترك رقية وحدها تواجه مصيرًا غامضًا.

كبرت رقية وسط تلك الوحدة القاسية، لكنها لم تستسلم، تزوجت من شاب طيب يعمل مهندس ري زراعي، كان يحاول أن يمنحها دفئًا يعوضها عن ماضيها الأليم، لكن القدر كان لها بالمرصاد مرة أخرى؛ لم تُنجب أطفالًا من زوجها، ولم تكتفِ الحياة بذلك، بل أخذت زوجها منها في حادث سيارة مأساوي.

عادت الوحدة لتغمر حياتها مرة أخرى، لكنها كانت هذه المرة أشد قسوة، دخلت رقية في دوامة من اليأس والانهيار، فقدت طاقتها على المقاومة، وأصبحت عرضة لطمع الناس واستغلالهم، لم يبقَ لها من حياتها إلا جسدها الذي أرهقته المحن، وروحها التي أنهكتها الأحزان.

قررت رقية أن تترك بلدها، علّ السفر يجلب لها بداية جديدة، سافرت إلى بلد آخر، وهناك التقت برجل عجوز طلب منها أن تعتني به في أيامه الأخيرة، وافقت، لعلها تجد في خدمته شيئًا من الراحة النفسية.

لكن العجوز لم يكن يعيش وحده؛ كان لديه ولدان، أحدهما رحيم وطيّب القلب، والآخر شرير يمتلئ قلبه بالحقد والطمع، ومع مرور الأيام، دبّت المكائد في المنزل، أراد الابن الشرير أن يتخلص من رقية خوفًا من أن تكون لها حصة في ميراث أبيه، فقام برشها بمادة الأسيد، مما شوه وجهها وجعلها تفقد بصرها، لتمسي بلا ملامح، بلا هوية، بلا أمل.

غضب العجوز من فعل ابنه، وأبلغ الشرطة عنه، سُجن الابن، ولكن العجوز نفسه لم يكن خاليًا من الشر؛ فقد طلق رقية وطلب منها أن تغادر البلاد، ليتخلص من أي التزام تجاهه، عادت رقية إلى وحدتها وحظها العاثر، مثقلة بجراحها النفسية والجسدية.

في لحظة ضعف أخيرة، قررت أن تضع حدًا لمعاناتها الطويلة، توجهت إلى البحر، المكان الذي لا يعرف بداية ولا نهاية، وألقت بنفسها في أعماقه. ابتلعتها المياه، وسارت مع التيار، حتى أصبحت غذاءً للأسماك، تاركة خلفها قصة مأساوية عن فتاة لم تعرف الحياة معها معنى الرحمة.


بقلم: محمد حسن "الأزيز"

تيم هيام

إرسال تعليق

أفرحنا بتعليقك هنا

أحدث أقدم