الإنسان يولد طيبًا

 

"الحقيقة الأساسية هي أن الإنسان يولد طيبًا ولكن المجتمع يجعله فاسدًا."

وُلدنا بفطرةٍ نقية، بقلوبٍ طاهرةٍ تنبض بالنور، وعقولٍ مُضيئةٍ تتأمل في ملكوت الله، فتشهد عظمته، وتدرك بحسِّها الفطري أن هناك خالقًا يُدبِّر الأمر بحكمةٍ لا تخطئ. لكن مع مرور الأيام، تتسلل الحياة إلى أرواحنا، تجرّنا إلى دروبٍ لا تشبهنا، فتُشوِّش على ذلك النقاء، وتفتح للظلام بابًا، يتسلل ببطءٍ دون أن نشعر. وما أصعبه من ظلام، حين يرتدي قناع النقاء، فيخدع القلب، ويوهمه بأنه ما زال على الطريق المستقيم.

وكيف يدرك المسكين خدعته، وهو محاطٌ بذُباب الفساد، يهمس له بأن كل شيء بخير؟! كم من روحٍ طاهرةٍ تاهت في زحام هذا العالم، حتى أطفأ الظلام نورها، وسرق منها سعادتها، فباتت كزهرةٍ ذابلة، فقدت ألوانها، وتلاشت رائحتها، تائهةً بين حزنٍ جاثمٍ على القلب، وأفكارٍ مُرهِقةٍ تنخر العقل، حتى صار الموت البطيء أقرب من الحياة.

لكن... هناك لحظةٌ فارقة، لحظةٌ تهتزّ لها الروح كما لو أن نسيمًا نقيًا اخترق غبار الأيام. وبينما هو غارقٌ في ضياعه، امتدت يداه للمرة الأولى نحو المصحف. تطلع إليه طويلًا، وكأن بين يديه كنزًا ضائعًا، احتضنه، فشعر بقلبه يخفق بحرارةٍ لم يعهدها من قبل. انهمرت دموعه، لكنها لم تكن دموع الندم وحده، بل كانت دموع الدهشة، السكينة، والعودة إلى حضنٍ اشتاق إليه دون أن يدري.

همس بين دموعه، كأنما يحدث نفسه بعد طول غياب: "ماذا لو كان هذا المصحف بين يديّ منذ وُلِدت؟!"



رنا حمادة

إرسال تعليق

أفرحنا بتعليقك هنا

أحدث أقدم