حين همس الظل باسمي

 حين همس الظل باسمي



لم أكن أؤمن بالخرافات، ولم أعبأ بقصص الأشباح، لكنني أقسم أن ما حدث لي تلك الليلة لم يكن وهمًا. انتقلتُ مؤخرًا إلى شقة قديمة في حيٍّ هادئ، كان كل شيء طبيعيًا حتى لاحظتُ بابًا صغيرًا في نهاية الممر، مغلقًا بإحكام دون أي مفتاح، سألتُ صاحب العقار عنه؛ فاكتفى بابتسامة غامضة قائلًا: "إنه مجرد مخزن قديم"، لكنني لم أصدق، كان هناك شيء غريب بشأنه، وكأن شيئًا خلفه يراقبني. الهمس الأول، استيقظتُ عند منتصف الليل على صوت همس، كان خافتًا لكنه واضح، شخص ما يهمس باسمي، تسمرتُ مكاني، أرهفتُ السمع، لكن الشقة كانت ساكنة. نهضتُ مترنحًا، تتبعتُ الصوت حتى وجدتُ نفسي أمام الباب المغلق، وضعتُ أذني عليه، كان الصمت تامًا، كدتُ أبتعد، لكن شيئًا جعلني أمد يدي وألمس المقبض، كان باردًا كالثلج، ارتجفتُ لا إراديًا، وسحبتُ يدي بسرعة، لكنني شعرتُ وكأن شيئًا من الداخل يضغط على المقبض من الجهة الأخرى، تجمدتُ مكاني، انتظرتُ للحظات، لكن لم يحدث شيء، تراجعتُ إلى غرفتي، محاولًا إقناع نفسي بأنها مجرد أوهام، لكنني لم أستطع النوم.

الغرفة المخفية

مع أول خيوط الصباح، قررتُ أن أتجاهل ما حدث، حاولتُ إقناع نفسي بأنني كنتُ مرهقًا، لكن شيئًا داخلي لم يقتنع. طوال اليوم، شعرتُ بأن هناك عيونًا تراقبني، انعكاسي في المرايا بدا غريبًا، كأن ملامحي ليست لي تمامًا، عندما حلّ المساء، كنتُ أشعر بقلق غير مبرر، لكنني أجبرتُ نفسي على النوم مبكرًا، إلا أنني استيقظتُ مجددًا على ذلك الهمس؛ هذه المرة، كان أقرب، وكأنه خلفي مباشرة، التفتُ بسرعة، لكنني كنت وحدي، ثم سمعتُ صوت صرير، التفتُ نحو الممر، الباب المغلق كان مفتوحًا، رعشة باردة سرت في أوصالي، لكنني اقتربتُ ببطء، نظرتُ إلى الداخل، كانت غرفة صغيرة، مظلمة، تفوح منها رائحة العفن، على الجدران، انتشرت شقوق طويلة، وكأنها تجاعيد قديمة تملأ المكان، في زاوية الغرفة، كانت هناك مرآة قديمة متصدعة، مغبرة، لكن وسطها كان نقيًا تمامًا، وكأنه زجاج جديد.

انعكاسٌ ليس لي

شعرتُ بشيء يجذبني إليها، اقتربتُ ببطء، وتطلعتُ إلى انعكاسي، كان يشبهني تمامًا، لكن كان هناك شيء غريب، عيناه كانتا فارغتين، كأنهما حفرتان سوداوين، وابتسامته باردة، ثابتة، شعرتُ برجفة في أطرافي، تراجعتُ خطوة إلى الوراء، لكن انعكاسي لم يتحرك، بقي واقفًا في مكانه، ينظر إليّ بابتسامة لا تتغير،

ثم قبل أن أستوعب ما يحدث، رأيته يرفع يده ببطء، ويمدّها خارج المرآة!

صرختُ وسقطتُ أرضًا، بينما يده أمسكت بمعصمي، كان جلده بارداً كالموتى، وقوته تفوق قوتي، حاولتُ التراجع، لكنني شعرتُ بجسدي يُسحب إلى الداخل، وكأنني أسقط في بئر لا قاع له.

داخل الزجاج

استيقظتُ مفزوعًا في سريري، كنتُ ألهث، وقلبي ينبض بجنون، نظرتُ حولي، كل شيء كان طبيعيًا، الباب كان مغلقًا كما كان دائمًا، حاولتُ تهدئة نفسي، أقنعتُ نفسي أنه مجرد كابوس، لكن عندما نظرتُ إلى المرآة، تجمد الدم في عروقي، كانت هناك بصمة يد سوداء على سطحها، وكأن أحدهم كان يحاول الخروج منها. مرّت الأيام، وبدأت أشعر أن شيئًا ما تغير، انعكاسي لم يعد يكتفي بالابتسام، بل صار يراقبني، يتحرك أحيانًا قبل أن أفعل، وكأنني أنا انعكاسه ولست العكس، حاولتُ تجنب النظر إلى المرآة، لكن الأمر كان أقوى مني. ذات ليلة، استجمعتُ شجاعتي، حملتُ المرآة إلى الخارج، وقررتُ تحطيمها والتخلص منها للأبد، لكن قبل أن أفعل، ظهر انعكاسي وهو يهمس: "لقد تأخرتَ كثيرًا"، ثم ابتسم ابتسامة واسعة، قبل أن تمتد يده من الزجاج مجددًا، ولكن هذه المرة، لم يمسكني؛ بل سحبني.

الحياة المسروقة

في اللحظة التالية، وجدتُ نفسي داخل المرآة، أنظر إلى غرفتي من الداخل، أصرخ، لكن لا أحد يسمعني، أضرب الزجاج، لكنه لم يتحطم؛ أما في الخارج، فكان هناك شخص يشبهني تمامًا، يبتسم بهدوء وهو يدير ظهره ويغادر الغرفة، تاركًا المرآة خلفه، حيث ظلّ انعكاسي حبيسًا إلى الأبد، بعد أن خرج، ظللتُ أطرق الزجاج بجنون، أصرخ، لكن لا أحد يسمعني، حاولتُ التحرك، لكنني لم أكن سوى ظلٍّ خلف سطح بارد، مجرد كيان محبوس في عالم من الزجاج. مرت أيام، وربما أسابيع، وأنا أراقب من خلف المرآة، رأيته يعيش حياتي، يتحدث بصوتي، يتصرف مثلي تمامًا، لكنه كان مختلفًا؛ أكثر هدوءًا، أكثر برودًا، بدأ الناس يلاحظون، أصدقائي، زملائي في العمل، حتى صاحب العقار، لكن لا أحد فهم ما يحدث، وفي ليلة، حينما وقف أمام المرآة ينظر إليّ، اقتربتُ منها، رأيتُ ابتسامته الباردة. ثم همس لي بصوتي: "لقد كنتَ مكاني، والآن جاء دوري"، وببطء، مدّ يده وأطفأ النور، ومنذ تلك اللحظة، لم يعد هناك انعكاس في المرآة.


ك/ مريم سعيد "حبيسة الماضي"

إرسال تعليق

أفرحنا بتعليقك هنا

أحدث أقدم